تحت الحصار السوري و دمياتها في طرابلس
ياسر عرفات وخليل الوزير اثناء حصار طرابلس في خريف العام 1983
تحت الحصار في طرابلس
أخذ المنشقون، تدعمهم القوات السورية الموجودة في لبنان، يدفعون قوات عرفات تدريجيا خارج المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري. وكان على القوات الموالية لعرفات بدءا من شهر آب/اغسطس1983، أن تتخذ مراكزَ لها في شمال لبنان، وتحديدا في طرابلس ومخيمي اللاجئين المجاورين وهما نهر البارد والبداوي. وحين اشتد قصف القوات السورية والمنشقة للقوات الموالية، كان على عرفات أن يهب لمساعدة مقاتليه ويشد من أزرهم، فأقدم على خطوة وصفها الشاعر محمود درويش، بأنها "فعل الشجاعة الأكثر تألقا في حياته الصاخبة": ارتدى ثيابا مدنية، وحلق لحيته، ووضع نظارة سوداء ليخفي معالم شخصيته، وحمل حقيبة صغيرة،وطار إلى مطار لارنكا في قبرص بجواز سفر مزور ..ومن هناك وصل إلى لبنان عبر البحر.لم يتوقع السوريون الذين يحاصرون طرابلس ولا الإسرائيليون الذين كانوا يفرضون حصارا بحريا مجيئه.وصل عرفات متخفيا في أجرأ عملية اختراق إلى طرابلس في 20/9/1983 ليمنع فرض المنشقين أنفسهم ممثلين شرعيين للمقاومة، وهذا ما كان.
انضم عرفات إلى رفيق دربه خليل الوزير "أبو جهاد"الذي كان في طرابلس يقود القوات الموالية للشرعية الفلسطينية،كان على رجال عرفات الخمسة آلاف أن يخوضوا قتالا ضد أكثر من عشرة آلاف من الجنود السوريين والمنشقين بقيادة أبو موسى، ومقاتلي منظمة الجبهة الشعبية ـ القيادة العامةـ بزعامة أحمد جبريل، تدعمهم نحو مئة دبابة. ظل أبو عمار يقود العمليات العسكرية من مقره في زقاق في طرابلس يبعد نحو 200 مترعن البحر.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، سقط مخيم نهر البارد ثم مخيم البداوي في أيدي المنشقين بعد معارك سقط فيها نحو 1000شهيد من العسكريين والمدنيين.
بدا أن السوريين على وشك تحقيق هدفهم : القضاء على أبو عمار.عمت الفرحة في إسرائيل حينذاك، وسرت شائعات عن مقتله وانتشرت بينهم ظاهرة "التبشير" بموت عرفات.لكن هذا الحصار لم يفت من عضد عرفات ايضا.
وفي 19 كانون الأول/ديسمبر 1983 كان الخروج الثاني من لبنان - من طرابلس هذه المرة - وغادرعرفات طرابلس على متن السفينة "أوديسيوس إيليتيس". كان يرافقه ضباطه و 4000 مقاتل، أقلتهم 5 سفن يونانية ترافقها البحرية الفرنسية.تم هذا الرحيل بوساطة فرنسية ـ سعودية وبجهود مصرية وصينية مدعومة من غالبية الدول العربية ،ومنها الكويت التي هددت سورية بوقف المساعدات الاقتصادية عنها.
جعل عرفات من معركة طرابلس، وهي فشل عسكري، نصرا سياسيا: ظل رمزا للاستقلالية الفلسطينية في مقابل أولئك "الدمى السورية"، على حد تعبيره، وازدادت شعبيته حتى في سورية نفسها ــ في مخيم اليرموك للاجئين، القريب من دمشق ــ مهمِشا بذلك المنشقين، الذين لم يتمكنوا بعد ذلك من لعب دور سياسي داخل (م.ت.ف).
وكان ياسرعرفات قد نجح خلال حصاره في طرابلس بمبادلة 6 أسرى إسرائيليين ب4500 معتقل فلسطيني،مقاتلين ومدنيين، محتجزين في جنوب لبنان وفي إسرائيل .